أخبار

Tuesday, January 19, 2010

من أين تأتي الموهبة؛ من الثقافة والاطلاع.. أم هي منحة من الله؟!

ربما لم يصل أحدهم لتعريف شامل للشعر والأدب، وربما لأنه ليس علماً يلقن ولكنها الموهبة كما يقولون، وهذا ما يجعلنا نتسائل.. وما هي تلك الموهبة؟! أحياناً أسأل نفسي ذلك السؤال بكثرة، ولكني لا أصل في النهاية لشئ، ربما أقنعت نفسي أحياناً ببعض المصطلحات الشديدة الغموض مثل الإلهام الذي يأتي بدون داعِ، ولكن هذا يجعلني أطرح على نفسي تساؤلات أكثر إلحاحاً، أهمها هو كيف يكون ذلك الإلهام، هل يجلس أحد العفاريت خلف أذنيك ليملي عليك بعضاً من أبيات الشعر؟! وربما أقنعت نفسي ببعض المقولات التي تقول إنه ما يشبه الإلهام وليس إلهاماً بالمعنى الحرفي للكلمة..

لا أريد أن أطيل في نقاط جميعنا يعرف مسبقاً أنها لن تؤدي بنا إلى شئ، ولا طائل من فتحها سوى السفسطة، ولكني أريد أن أقول لكم أني كدت في فترة من الفترات أن أفقد الثقة فيما تسمى الموهبة، واستمر ذلك الإحساس إلى أن اطلعت على بعض الأعمال الأدبية التي لا تدل إلا على أن هناك في العالم الإنساني ما يسميه الأدباء والنقاد بالموهبة التي لا تأتي من القراءة ولا من المعرفة ولكن يزرعها الخالق بنا وعلينا نحن أن نكتشفها.

ومن أهم تلك التجارب السيرة الذاتية للأديب الفرنسي جان جينيه "يوميات لص"، والذي يعتبره جان كوكتو من أهم أدباء فرنسا في القرن الماضي، على الرغم من أنه لم يقرأ في حياته سوى كتاب أو اثنين على الأكثر، إنها الموهبة بشكلها الفطري بدون أدنى تهذيب، إن هذا الرجل يمتلك لغة شديدة الخصوصية والشاعرية، وأعتقد أن معظمنا يعرف أن جان جينه كتب أهم المؤلفات في تاريخ المسرح الفرنسي.

إننا عندما نتحدث عن الأدب بشكل عام، فإن هناك سؤالاً ملحاً بشدة يطرح نفسه علينا، ألا وهو هل الأدب من ضروريات الحياة أم من الرفاهيات؟ وربما تكون الإجابة البديهية في ذهن معظمنا تشير إلى أنه من الرفاهيات، ولكني أؤكد أن مثل جان جينه - عندما يقضي معظم حياته بين السجن والترحال والتشرد ثم يجد الوقت وسط كل هذه المعاناة ليكتب مؤلفاته في السجن – يؤكد بأن الأدب ليس من الرفاهيات على الإطلاق.

نقطة أخرى يثيرها ذلك الرجل في معظم كتاباته، ألا وهي إن التعمق في الذات الإنسانية بكل خصوصياتها وتفاصيلها المتفردة يدفع إلى إبداع لا يخص تلك الذات التي يكتب عنها وحدها، والتاريخ ملئ بالكثير من تلك الأمثلة ليس الأوروبي فقط، وربما المصري أيضاً، فهناك الكثير من السير الذاتية التي تحكي عن معاناة صاحبها، وقد تحولت هذه السير إلى ما يشبه الملاحم، وربما كان خير مثال على ذلك كتاب الأيام لطه حسين، وأكثر من ذلك يتجلى حتى في السير الشعبية، فهذه سيرة شفيقة ومتولي بكل ما بها من توغل في خصوصية البيئة وربما انعزالها أيضاً لتخرج في النهاية إلى ما يمس الجمع وليس الفرد.

إننا أيضاً في تراثنا الشرقي لدينا العديد والعديد من الأمثلة التي تؤكد على فطرية الموهبة الخالصة، فأحدكم لو جلس مع جدته وهي تحكي له "العدودات" أو حتى المواويل التي كان يرددها الباعة الجائلين قديماً، أو الأغاني التي كانوا يرددونها مع كل طقوسهم المختلفة، لتأكد وبشدة من أن هناك شئ ما في تلك النفس البشرية يؤكد الموهبة ويؤكد في ذات الوقت على ضرورة الأدب والإبداع الفكري.

ولو ذهبنا إلى التراث الصعيدي، وتعمقنا في فن مثل فن "الواو" أو "المربعات" كما يطلق عليه البعض لتأكدنا من ذلك أيضاً، وليس هذا فحسب، بل إن المطلع على تلك المربعات والمتابع للحركة الشعرية في الفترة الحالية سيتأكد أن العديد من الشعراء يكررون أفكاراً، بل وتراكيباً لغوية ارتبطت بالمربعات تحديداً، وإنني هنا لا أقول كلاماً مجرداً، فهناك العديد من الشواهد على هذا الرأي تتجلي في كتابات العديد من الشعراء، وربما يذهب البعض إلى أنني أقصد هنا شعراء الجنوب مثل عبد الرحمن الأبنودي، ولكني أود أن أوضح أنني أقصد شعراء الجنوب وغير الجنوب، ثم أن مثل عبد الرحمن الأبنودي يشير بشكل أو بآخر إلى أنه يستقي من تراثه وثقافته الجنوبية، ولكن هناك فرق بين أن تستقي وبين أن تقلد.

فعلى سبيل المثال، جميعنا يحفظ ذلك المربع الذي اشتهر في مسلسل ذئاب الجبل، بصوت على الحجار، كلمات/ عبد الرحمن الأبنودي، ولكن التراث يؤكد أنه لأحمد بن عروس:
"لا بد عن يوم معلوم تترد فيه المظالم
أبيض على كل مظلوم واسود على كل ظالم"

وقد حاولت أن أعثر في تتر المسلسل على أي إشارة لذلك الشاعر، فلم أجد للأسف وإلى الآن لا أفهم سبب ذلك، اللهم إلا الاعتماد على أنه من التراث وأنه معلوم بالضرورة لدى المطلعين، وجميعنا أيضاً يحفظ عن ظهر قلب ذلك المربع الشهير جداً ولكن قليلون هم من يعلمون أنه لأحمد بن عروس:
يا بت جميلك هبشني والهبشه جت في العبايه
رمان صدرك دوشني وخلى فطوري عشايه

وجميعنا أيضاً يتذكر ذلك التتر العبقري للشاعر الرائع سيد حجاب في مسلسل "الليل وآخره" بقوافيه المدهشة كالعاده ومطلعه يقول:
"ويا بوي ع الليل وآخره لما ان تصحى جروحي
حمل وما قدرش اتاخره عني وع توجّ روحي "

ولكني أؤكد أن المربع على جماله إلا أن تلك التقفية (روحي) قديمة جداً ومألوفة بشكل غير طبيعي في الجنوب فها هو حفني حسن من قبل سيد حجاب بأكثر من عشرين عاماً يقول:
"بكفايه من جايي وروحي
يمكن ربي يشفي جروحي
ده انا كنت بضحك على روحي"

وهناك العديد من الشواهد التي لا يتسع المجال لذكرها، تؤكد على أن الموهبة الفطرية شئ حقيقي وليست ضرب من ضروب الخيال، وربما أيضاً سبقت الأدباء والشعراء المثقفين والمطلعين.

2 comments:

قلم رصاص said...

"ولكني أؤكد أن مثل جان جينه - عندما يقضي معظم حياته بين السجن والترحال والتشرد ثم يجد الوقت وسط كل هذه المعاناة ليكتب مؤلفاته في السجن – يؤكد بأن الأدب ليس من الرفاهيات على الإطلاق.

"

أتفق معك جدا يامصطفى في رأيك
فالأدب بالطبع ليس من الرفاهيات
فكم من أعمال أدبيه شكلت وجدان أمم
ودفعتهم الى التقدم قدما وبها أثروا في وغذوا الحضارة البشريه بما لذ وطاب

كما اتفق معك أيضا في أن الموهبه حقيقه لاجدال فيها .. حتى مع احترامنا لأراء من يقولون أنها وحدها لاتكفي وانها لابد لها من الإثقال بالدراسه والتدريب الخ الخ

فهي من وجهة نظري الأساس الصلب الذي يركتن اليه الإبداع في الحياه خصوصا الفنون

ازيك يامصطفى وازي اخبارك
كل سنة وانت طيب
ودمت مبدعا يا أخي

في حفظ الله

حلم بيعافر said...

الموهبة هى البساطة والسهولة فى الوصول للكل سواء قارى او مش قارى سواء مثقف او محدود الثقافة
الموهبة شىء فطرى قابل للتنمية والتطوير
بس لو مفيش تطوير الموهبة بتتاكل
م الااااااااااااااااخر
انا مع الراى اللى بيقول انها موهبة فطرية
فيه ناس تقرالهم تحس انهم بيتكبوا زى المكن اليا حاجات تقدر تقول عليها ادب بس متقدرش تستمتع بيها ومتقدرش تعيشها وفيه ناس بتغنى ببس بيغنوا مجرد اداء ومش بيوصلوا للقلب
بوست جميل
تحياتى